
جنيف، 4 يوليوز 2025، بمناسبة نقاش أممي سنوي حول التعاون وبناء القدرات من أجل تعزيز فعلية حقوق الإنسان في العالم، منعقد اليوم في إطار الدورة التاسعة والخمسين لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بجنيف، سلطت السيدة آمنة بوعياش، رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان ورئيسة التحالف العالمي للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، الضوء على تحديات حقيقية تهدد اليوم جوهر حقوق الإنسان وكونيتها.
عالم يزداد انقساماً، تواجه فيه حقوق الإنسان اختبارات متعددة ومعقدة. من تراجع التعاون المتعدد الأطراف، إلى تصاعد التوترات الجيوسياسية، وصولا إلى أزمات تمويل بنيوية – خاصة داخل منظومة الأمم المتحدة، تضعف في نهاية المطاف فعالية آليات حماية حقوق الإنسان على الصعيد العالمي. بوعياش حذرت من أن تقويض هذه التحولات بشكل عميق لمبدأ كونية حقوق الإنسان، في وقت بات فيه التعاون الدولي هشّاً على نحو مقلق، مؤكدة على أن قدرة المؤسسات على الاستجابة الفعالة للأزمات لا تتوقف على الإطار القانوني فقط، "بل تتطلب إرادة سياسية راسخة، ومقاربة شاملة، وتنسيقاً فعلياً بين الديناميات المحلية والمنظومات الدولية"
أمام تحديات الأزمة المناخية وانعكاساتها، والنزاعات المسلحة هنا وهناك، والفوارق البنيوية في الفرص والإمكانات، فضلا عن تفاقم الفوارق الاجتماعية واستمرار أشكال التمييز، نواجه اليوم كآليات ومؤسسات، تقول رئيسة التحالف العالمي للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، تحديات غير مسبوقة، "لا يمكن لأي جهة أن تتعامل معها بشكل منفرد". الاستجابة المعزولة، تضيف المسؤولة الحقوقية، لن تكون كافية لوحدها لمنع الانتهاكات أو ضمان حماية فعلية وفعالة لحقوق الإنسان وكرامته.

من أجل ذلك دعت السيدة بوعياش في ترافع أممي إلى تجديد التعاون بين الفاعلين وطنيا ودوليا، في إطار متماسك وهياكل مؤسساتية قوية، في سياق تجديد الالتزام الجماعي بالكرامة والعدل وفعلية الحقوق.
هدفنا، تقول رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، هو الدفاع عن حقوق الإنسان، بشكل يتجاوز الأبعاد التقنية للتقارير، تترسخ معه منظومة فعالة قادرة على تحويل المعايير الدولية إلى واقع معيش وأثر ملموس في حياة الأفراد، خاصة الفئات الهشة.
"حقوق الإنسان خط دفاع أول في مواجهة هذه الاضطرابات المعقدة والتحديات التي يشهدها القرن الحادي والعشرون… النصوص القانونية والمؤسسات، رغم أهميتها، لا تكفي وحدها، بل إن التعبئة المنسقة والشاملة تبقى السبيل الأنجع للتصدي لانتهاكات الحقوق والحريات والتهديد المتواصل لكونيتها”، تقول السيدة بوعياش.
وعلى المستويات الوطنية، ذكرت السيدة بوعياش، بصفتها رئيسة للتحالف العالمي للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، بالأدوار المحورية التي تلعبها هذه المؤسسات على مستوى الوقاية من الانتهاكات وحماية الأشخاص والضحايا والنهوض بثقافة الحقوق والحريات، مشددة على ضرورة حرص الدول على استقلالية هذه المؤسسات وتعزيزها تماشيا مع مبادئ باريس الناظمة لعمل هذه المؤسسات.
كما ذكرت رئيسة التحالف العالمي بدراسة حديثة أنجزها التحالف العالمي، حوّل "دور وخبرات المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان في إنشاء وتعزيز الآليات الوطنية لتنفيذ التوصيات والمتابعة وإعداد التقارير"، توقفت عند أربعة نماذج لآليات المتابعة الوطنية (NMIRFs)، مع الإشارة إلى تفاوت فعاليتها على مستوى الدول، خصوصاً تلك التي اختارت آليات مؤقتة (ad hoc)، يصعب عليها، كما قالت السيدة بوعياش، ضمان استمرارية تنفيذ التوصيات الدولية.
في سياق مرتبط، دعت رئيسة التحالف إلى أهمية تعزيز التعاون بين المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان وهذه والآليات، مؤكدة أن التكامل بات ضروريا أكثر من أي وقت مضى لضمان متانة ومشروعية المنظومات الحقوقية على المستوى الوطني. السياقات الحالية تفرض تنسيقاً فعالاً وتعاوناً مستداماً وأكبر بين المؤسسات الوطنية وآليات تتبع التنفيذ، تضيف السيدة بوعياش، مع الدعوة إلى ضمان استمرارية تنفيذ التوصيات الدولية وتبني مقاربة إنسانية تضع الفئات الهشة في صلب السياسات العمومية الوطنية.
هذا وأعربت السيدة بوعياش من جديد عن قلقها من تأثير الأزمة المالية التي يعرفها النظام الأممي، التي من شأنها يمكن أن تؤثر سلباً على فعالية التعاون وآليات حماية حقوق الإنسان، معتبرة أن من شأن هذه الوضعية أن تضعف دينامية التفاعل الوطني والدولي وتعيق تنفيذ التوصيات الحقوقية الأممية.
لا يمكن اختزال حقوق الإنسان في التشريعات، تختم السيدة آمنة بوعياش. حقوق الإنسان دفاع جماعي عن كرامة الإنسان في بعدها الشامل. ليست خياراً، بل حد أدنى… وأساس لا غنى عنه لبناء مجتمعات عادلة، مستقرة، وقادرة على الصمود.