
المسؤولة الحقوقية شددت على ضرورة اعتماد تصور جديد للمدينة يضمن ”الحق في المدينة للجميع”، تتوفر فيها فضاءات عمومية مفتوحة ووَلوجة لجميع الفئات، تحترم البيئة وتضمن الأمن للنساء والرجال والأطفال، وتتوافر فيها فضاءات التعبير الثقافي والفني. "المدينة ينبغي أن تعكس إنسانية الإنسان في حياته اليومية"، تقول رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان.
جاء ذلك في لقاء احتضنه رواق المجلس الوطني لحقوق الإنسان في اليوم السابع للمعرض الدولي للنشر والكتاب، لتقديم مؤلف جماعي في موضوع “الحق في المدينة”. المؤلف الصادر عن المجلس يسلط الضوء على التحديات والتحولات التي تطبع الحق في المدينة في السياق المغربي.
في هذا السياق، ذكرت السيدة بوعياش أن المجلس يعمل باستمرار على النهوض بهذا الحق. ونظم في هذا الشأن مشاورات وندوات جمعت فاعلين محليين وباحثين وفعاليات من المجتمع المدني، بهدف المساهمة في تغيير التصور الحضري، "بما يجعل التخطيط العمراني أكثر شمولا وعدالة، ويأخذ بعين الاعتبار احتياجات جميع فئات المجتمع، بما في ذلك النساء والأطفال وكبار السن والأشخاص في وضعية الإعاقة"، تقول رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان.
من جانبه، قدم الأستاذ الباحث عبد العزيز عديدي قراءة تحليلية لمسار تطور مفهوم "الحق في المدينة" بالمغرب، مبرزا التحولات التي عرفتها المدن المغربية منذ فترة الاستعمار إلى اليوم. وأشار إلى التحديات البنيوية التي تواجهها المدن، خاصة الجديدة والناشئة، وعلى رأسها "التوسع العمراني العشوائي" والنمو الديمغرافي المتسارع. كما أكد أن الحق في المدينة أصبح محورا رئيسيا في النقاشات المتعلقة بالتنمية الحضرية، باعتباره مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بالحق في العيش الكريم والحقوق الأخرى التي ينص عليها دستور 2011، بما في ذلك الحق في السكن والشغل والتعليم والصحة وغيرها.
فضلا عن ذلك، سلط الأستاذ الباحث يونس وحالو الضوء على أهمية التفكير في المدينة ببعد حقوقي، وهو ما يستوجب وفقه حوارا اجتماعيا والتقائية حقيقية بين مختلف التخصصات ورؤية شمولية لجميع الجوانب المرتبطة بالمدينة، وأوضح أن المدينة ليست مجرد عمران أو سكن، بل هي ديمقراطية محلية. وأكد المتحدث على أن الحق في المدينة يجب أن يشمل جميع الفئات بما في ذلك "الفئات الهشة والمهمشة"، داعيًا إلى تبني مقاربة شمولية تضمن مشاركة السكان في رسم ملامح مدينتهم وضمان "ولوجهم المتكافئ" للحقوق والخدمات.
وشدد المتدخلون في هذا اللقاء، الذي سيره الأستاذ الباحث المصطفى المريزق، عضو سابق بالمجلس، رئيس اللجنة الدائمة المعنية بالنهوض بحقوق الإنسان، على أن تحقيق الحق في المدينة يتطلب اعتماد سياسات عمومية دامجة، ترتكز على مقاربة حقوقية تستجيب لحاجيات الساكنة، مع إيلاء اهتمام خاص للفئات الأكثر هشاشة، من نساء وأطفال وأشخاص مسنين وفي وضعية إعاقة.
وقد شكل اللقاء أيضا مناسبة للوقوف على الخلفية التي أُنجز في إطارها هذا المؤلف الجماعي، الذي جاء تتويجًا لمسار من النقاشات والندوات التي أطلقتها لجنة المجلس وشارك فيها فاعلون مؤسساتيون وأكاديميون من مشارب متعددة، في سعي جماعي نحو صياغة مقاربات جديدة لرهانات العيش الحضري في المغرب.
وفي ختام النقاش، دعا المشاركون إلى ضرورة إعادة النظر في السياسات الحضرية، وتوسيع النقاش العمومي حول العدالة المجالية باعتبارها رافعة أساسية لتعزيز كرامة الإنسان وترسيخ الحق في المدينة للجميع.
ويأتي إصدار هذا المؤلف في سياق جهود المجلس الوطني لحقوق الإنسان لتعزيز ثقافة حقوق الإنسان وتسليط الضوء على أهمية الحق في المدينة كمدخل أساسي لتحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية. ويضم المؤلف سلسلة من الأوراق البحثية التي تناولت أبعادا مختلفة مرتبطة بالحق في المدينة، بدءًا بالإطار المعياري والحقوقي، مرورًا بتحديات المدن الناشئة، وصولًا إلى السياسات الحضرية وأثرها على واقع حقوق الإنسان.
كما يعالج الإصدار قضايا محورية مثل حقوق المرأة والشباب في المدن، والولوج العادل إلى الفضاءات الحضرية، وفعالية الحقوق ضمن السياسات العمومية. وتجدر الإشارة في الاخير إلى أن هذا المؤلف يتوزع على خمسة محاور رئيسية، تتناول بالتحليل : قضايا التمدن، السياسات الحضرية، تحديات المدن الجديدة، ودور السياسات العمومية في تعزيز فعالية الحقوق بالمدن، إلى جانب خلاصة لأشغال وتوصيات الندوتين الوطنيتين اللتين نظمهما المجلس حول الموضوع.